Skip links

الوهم والحقيقة: كيف نحدد الطريق الصحيح في الدراسة والعمل؟

الوهم والحقيقة: كيف نحدد الطريق الصحيح في الدراسة والعمل؟

هل سبق لك أن ركضت بسرعة، بكل طاقتك، فقط لتكتشف في النهاية أنك كنت تركض في الاتجاه الخاطئ؟ هذا الشعور يصيب الكثيرين عندما يجدون أنفسهم في مسار لا يشبه أحلامهم، في وظيفة لا تعبر عنهم، أو في دراسة لم تكن خيارهم الحقيقي.
نتخذ قرارات مصيرية بشأن حياتنا المهنية أو الدراسية، معتقدين أننا نعرف ما هو الأفضل، لكن في كثير من الأحيان، نجد أننا اخترنا بناءً على ضغوط خارجية أو بناءً على ما يبدو “آمنًا”، وليس ما يتناغم مع حقيقتنا الداخلية.
اليوم، يقف الكثير من الشباب والنساء عند مفترق طرق، يسألون:
 “ما الذي يجب أن أدرسه؟”
 “ما هو المجال الذي يضمن لي مستقبلًا مستقرًا؟”
هذه الأسئلة تبدو مباشرة، لكنها تحمل في طياتها أحد أكبر التحديات في الحياة: كيف نختار الطريق الصحيح؟
السباق الوهمي: هل نحن نركض في الاتجاه الخاطئ؟
نعيش في عصر السرعة، حيث أصبح اتخاذ القرارات السريعة ميزة يتفاخر بها البعض. نرى الكثيرين يندفعون نحو تخصصات دراسية أو وظائف لأنها الأكثر طلبًا أو لأنها تضمن دخلًا مرتفعًا، دون أن يتوقفوا للحظة ويسألوا أنفسهم:
 “هل هذا ما أريده حقًا؟”
 “هل أجد نفسي في هذا المجال؟”
 “هل هذا يعكس شغفي وموهبتي؟”
ما يحدث غالبًا أن البعض يكتشف بعد سنوات من الدراسة والعمل أنهم كانوا يطاردون وهمًا. لقد ركضوا، وركضوا، فقط ليجدوا أنفسهم في نقطة لا تشبههم، لا تعبر عنهم، ولا تمنحهم الشعور بالرضا أو الإبداع.
مثال على ذلك، طالب يختار دراسة الهندسة لأن هذا التخصص يُعتبر “مضمونًا”، لكنه سرعان ما يكتشف بعد التخرج أنه لا يجد أي شغف في التصميم أو الحلول التقنية، وأنه كان يسير في طريق لم يكن طريقه منذ البداية.
لماذا نختار الطريق الخاطئ؟ العقبات الخفية وراء قراراتنا
هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا لاختيار مجالات لا تعكس حقيقتنا، ومن أبرزها:
١- ضغط المجتمع والعائلة
كم من شخص أراد دراسة الفنون أو الأدب، لكن العائلة دفعته نحو الطب أو الهندسة لأنهما “أكثر استقرارًا”؟
 • فتاة تحلم بأن تكون كاتبة، لكنها تجد نفسها في كلية الطب فقط لإرضاء والديها.
 • شاب يعشق التصوير، لكن ضغط العائلة يجبره على دخول عالم البرمجة لأنه “الأكثر طلبًا”.
بعد سنوات، يدرك هؤلاء أنهم يعيشون حياة لا تعبر عنهم، مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الشغف.
٢- سوق العمل المتغير
في عالم سريع التحول، من السهل أن يختار الشباب مجالًا لمجرد أنه مطلوب حاليًا. لكن المشكلة أن بعض هذه المجالات قد لا تتناسب مع طبيعتهم الشخصية.
 • شخص يختار البرمجة لمجرد أن رواتبها مرتفعة، لكنه يكتشف لاحقًا أنه لا يستطيع تحمل العمل خلف الشاشات لساعات طويلة.
 • آخر ينخرط في مجال التسويق الرقمي لأنه “رائج”، لكنه يكتشف أنه يفتقد مهارات التواصل والإبداع اللازمة للنجاح فيه.
٣- غياب التوجيه الشخصي
في بعض الأحيان، يكون السبب ببساطة أننا لم نحظَ بمن يوجهنا لاكتشاف قدراتنا الحقيقية.
 • شاب يدخل عالم إدارة الأعمال لمجرد أن أصدقاءه يرونه “مجالًا مربحًا”، ليجد نفسه لاحقًا غارقًا في سوق يتطلب مهارات لم يكن يمتلكها أو يحبها.
إيجاد الطريق الصحيح: كيف تختار مجالك بشغف ووعي؟
لكي نتجنب الوقوع في فخ القرارات الخاطئة، هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تقودنا لاكتشاف الطريق الصحيح:
١- البحث عن الرسالة والشغف
قبل اختيار مجال دراستك أو وظيفتك، اسأل نفسك:
 “ما هي رسالتي في الحياة؟”
 “ما الشيء الذي أستمتع به دون أن أشعر بالوقت؟”
 “ما الذي يمكنني أن أبدع فيه؟”
هذه الأسئلة ليست سطحية، بل هي المفتاح لمعرفة ما يناسبك فعلًا. لا تختر بناءً على ما هو “آمن”، بل على ما يجعلك تستيقظ بحماس كل يوم.
٢- التعرف على القدرات الشخصية
اكتشاف نقاط قوتك وضعفك أمر أساسي. هناك مجالات تتطلب سمات شخصية معينة، وإن لم تكن تمتلكها، فقد يكون من الصعب عليك التأقلم أو النجاح.
 • ستيف جوبز، مؤسس شركة “آبل”، ترك الجامعة لأنه أدرك أن ما كان يدرسه لا يتناسب مع شغفه الحقيقي. بدلاً من ذلك، بدأ في استكشاف مجالات التصميم والتكنولوجيا، ليصبح لاحقًا من أعظم المبتكرين في عالم التقنية.
٣- الاستكشاف قبل القرار
قبل أن تستثمر سنوات من حياتك في دراسة أو وظيفة، جرّبها!
 • هل تفكر في مجال معين؟ انضم إلى تدريب عملي فيه.
 • هل تحب التصوير أو التصميم؟ جربه كمشروع جانبي قبل أن تقرر أن يكون مهنتك الأساسية.
الاستكشاف يقلل من فرص اتخاذ قرار خاطئ قد تندم عليه لاحقًا.
٤- التوازن بين الرغبة والواقعية
لا بد من إيجاد توازن بين ما تحبه وما يمكن أن يكون مصدر دخل مستدام.
 • شاب يحب الموسيقى لكنه يعلم أن هذا المجال صعب ماديًا، يمكنه تطوير مهاراته في مجال آخر يضمن له استقرارًا ماليًا، مع إبقاء الموسيقى كعمل جانبي أو مشروع مستقبلي.
النجاح الحقيقي لا يعني التخلي عن شغفك، بل إيجاد طريقة ذكية لموازنته مع الواقع.
ما أريد مشاركته معكم
الحياة ليست مجرد سباق للوصول إلى النجاح المالي أو المكانة الاجتماعية. النجاح الحقيقي هو أن يكون ما نفعله متوافقًا مع ما نحن عليه في الداخل.
 • لا تختر طريقك فقط لأنه يبدو آمنًا.
 • لا تسرع في اتخاذ قرار مصيري دون أن تفهم نفسك أولًا.
 • لا تدع ضغوط المجتمع والعائلة تحجب عنك صوتك الداخلي.
استمع لنفسك، اكتشف ما تحب، واصنع طريقك الخاص. لأن الطريق الصحيح ليس دائمًا الأسرع أو الأسهل، بل هو الطريق الذي يجعلك تستيقظ كل يوم بشغف لما تفعله.